فصل: فصل (نكاح العبد والأمة والمدبر وأم الولد)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المختار للفتوى ***


كتاب الوكالة

ولا تصح حتى يكون الموكل ممن يملك التصرف وتلزمه الأحكام، والوكيل ممن يعقل العقد ويقصده، وكل عقد جاز أن يعقده بنفسه جاز أن يوكل به، فيجوز بالخصومة في جميع الحقوق وإيفائها واستيفائها إلا الحدود والقصاص فإنه لا يجوز استيفاؤها مع غيبة الموكل، ولا يجوز بالخصومة إلا برضاء الخصم، إلا أن يكون الموكل مريضًا أو مسافرًا، وكل عقد يضيفه الوكيل إلى نفسه كالبيع والإجارة والصلح عن إقرار تتعلق حقوقه به من تسليم المبيع ونقد الثمن والخصومة في العيب وغير ذلك، إلا العبد والصبي المحجورين، فتجوز عقودهما، وتتعلق الحقوق بموكلبهما‏.‏ وإذا سلم المبيع إلى الموكل لا يرده الوكيل بعيب إلا باذنه، وللمشتري أن يمتنع من دفع الثمن إلى الموكل، فإن دفعه إليه حاز، وكل عقد يضيفه إلى موكله فحقوقه تتعلق بموكله‏:‏ كالنكاح والخلع والصلح عن دم العمد والعتق على مال والكتابة والصلح عن إنكار والهبة والصدقة والإعارة والإيداع والرهن والإقراض والشركة والمضاربة‏.‏

ومن وكل رجلًا بشراء شيء ينبغي أن يدكر صفته وجنسه أو مبلغ ثمنه، إلا أن يقول له ابتع لي ما رأيت؛ وإن وكله بشراء شيء بعينه ليس له أن يشتريه لنفسه، فإن اشتراه بغير النقدين أو بخلاف ما سمى له من جنس الثمن أو وكل آخر بشرائه وقع الشراء له، وإن كان بغير عينه فاشتراه فهو له، إلا أن يدفع الثمن من مال الموكل أو ينوي الشراء له، والوكيل في الصرف والسلم تعتبر مفارقته لا مفارقة الموكل، وإن دفع إليه دراهم ليشتري بها طعاما فهو على الحنطة ودقيقها؛ وقيل إن كانت كثيرةً فعلى الحنطة، وقليلةً فعلى الخبز، ومتوسطةً فعلى الدقيق؛ وإن دفع الوكيل الثمن من ملله فله حبس المبيع حتى يقبض الثمن، فإن حبسه وهلك فهو كالمبيع وإن وكله بشراء عشرة أرطال لحم بدرهم فاشترى عشرين مما يباع منه عشرة بدرهم لزم الموكل عشرة بنصف درهم‏.‏ والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل وبالنسيئة وبالعرض، ويأخذ بالثمن رهنا وكفيلًا‏.‏ ولا يصح ضمانه الثمن عن المشتري، والوكيل بالشراء لا يجوز شراؤه إلا بقيمة المثل وزيادة يتغابن فيها، وما لا يتغابن فيه في العروض، في العشرة زيادة نصف درهم، وفي الحيوان درهم، وفي العقار درهمين، ولو وكله ببيع عبد فباع نصفه جاز، وفي الشراء يتوقف، فإن اشترى باقيه قبل أن يختصما جاز‏.‏ ولا يعقد الوكيل مع من لا تقبل شهادته له إلا أن يبيعه بأكثر من القيمة، وليس لأحد الوكيلين أن يتصرف دون رفيقه إلا في الخصومة والطلاق والعتاق بغير عوض، ورد الوديعة، وقضاء الدين، وليس للوكيل أن يوكل إلا باذن الموكل أو بقوله‏:‏ اعمل برأيك، وإن وكل بغير أمره فعقد الثاني بحضرة الأول جاز، وللموكل عزل وكيله، ويتوقف على علمه، وتبطل الوكالة بموت أحدهما وجنونه جنونا مطبقا، ولحاقه بدار الحرب مرتدا‏.‏ وإذا عجز المكاتب أو حجر على المأذون أو افترق الشريكان بطل توكيلهم، وإن لم يعلم به الوكيل؛ وإذا تصرف الموكل فيما وكل به بطلت الوكالة‏.‏ والوكيل بقبض الدين وكيل بالخصومة فيه، والوكيل بالخصومة وكيل بالقبض خلافا لزفر، والفتوى على قول زفر، ولو أقر الوكيل على موكله عند القاضي نفذ، وإلا فلا‏.‏ ادعى أنه وكيل الغائب في قبض دينه وصدقه الغريم أمر بدفعه إليه، فإن جاء الغائب فإن صدقه وإلا دفع إليه ثانيا ورجع على الوكيل إن كان في يده، وإن كان هالكا لا يرجع إلا أن يكون دفعه إليه ولم يصدقه، وإن ادعى أنه وكيله في قبض الوديعة لم يؤمر بالدفع إليه وإن صدقه؛ ولو قال‏:‏ مات المودع وتركها ميراثا له وصدقه أمر بالدفع إليه، ولو ادعى الشراء من المودع وصدقه لم يدفعها إليه‏.‏

كتاب الكفالة

وهي ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة، ولا تصح إلا ممن يملك التبرع، وتجوز بالنفس والمال، وتنعقد بالنفس بقوله‏:‏ تكفلت بنفسه أو برقبته، وبكل عضو يعبر به عن البدن، وبالجزء الشائع كالخمس والعشر، وبقوله‏:‏ ضمنته، وبقوله‏:‏ علي، وإلي، وأنا زعيم، أو قبيل، والواجب إحضاره وتسليمه في مكان يقدر على محاكمته، فإذا فعل ذلك برئ، ولو سلمه في مصر آخر برئ، فإن شرط تسليمه في وقت معين لزمه إحضاره فيه إذا طلبه منه، فإن أحضره وإلا حبسه الحاكم، فإذا مضت المدة ولم يحضره حبسه، وإذا حبسه وثبت عند القاضي عجزه عن إحضاره خلى سبيله، وإذا لم يعلم مكانه لا يطالب به، وتبطل بموت الكفيل والمكفول به دون المكفول له؛ وإن تكفل به إلى شهر فسلمه قبل الشهر برأ، وإن قال‏:‏ إن لم أوفك به فعلي الألف التي عليه فلم يوف به، فعليه الألف والكفالة باقية؛ والكفالة بالمال جائزة إذا كان دينا صحيحا حتى لا تصح ببدل الكتابة والسعاية والأمانات والحدود والقصاص، وإذا صحت الكفالة فالمكفول له إن شاء طالب الكفيل وإن شاء طالب الأصيل ولو شرط عدم مطالبة الأصيل فهي حوالة كما إذا شرط في الحوالة مطالبة المحيل تكون كفالةً، وتجوز بأمر المكفول عنه وبغير أمره، فإن كانت بأمره فأدى رجع عليه، وإن كانت بغير أمره لم يرجع عليه وإذا طولب الكفيل ولوزم طالب المكفول عنه ولازمه، وإن أدى الأصيل أو أبرأه رب الدين برأ الكفيل، وإن أبرئ الكفيل لم يبرإ الأصيل، وإن أخر عن الأصيل تأخر عن الكفيل وبالعكس لا؛ وإن قال الطالب للكفيل برئت إلي من المال رجع به على الأصيل، وإن قال‏:‏ أبرأتك لم يرجع، ولا يصح تعليق البراءة منها بشرط، وتصح الكفالة بالأعيان المضمونة بنفسها كالمقبوض على سوم الشراء والمغصوب والمبيع فاسدًا؛ ولا تصح بالمضمونة بغيرها كالمبيع والمرهون ولا تصح إلا بقبول المكفول له في المجلس إلا إذا قال المريض لوارثه‏:‏ تكفل بما علي من الدين، فتكفل والغريم غائب فيصح، ولو قال لأجنبي فيه اختلاف المشايخ؛ ولا تصح الكفالة عن الميت المفلس؛ ويجوز تعليق الكفالة بشرط ملائم كشرط وجوب الحق، وهو قوله‏:‏ ما بايعت فلانا فعلي، أو ما ذاب لك عليه فعلي أو ما غصبك فعلي، أو بشرط إمكان الاستيفاء، كقوله‏:‏ إن قدم فلان فعلي وهو مكفول عنه، أو بشرط تعذر الاستيفاء كقوله‏:‏ إن غاب فعلي، ولا يجوز بمجرد الشرط كقوله‏:‏ إن هبت الريح أو جاء المطر، فلو جعلهما أجلًا بأن قال‏:‏ كفلته إلى مجئ المطر أو إلى هبوب الريح لا يصح، ويجب المال حالًا، فإن قال‏:‏ تكفلت بما لك عليه فقامت البينة بشيء لزمه، وإن لم تكن له بينة فالقول قول الكفيل، ولا يسمع قول الأصيل عليه؛ ولا تصح الكفالة بالحمل على دابة بعينها، وتصح بغير عينها‏.‏

عليهما دين، وكل واحد منهما كفيل عن الآخر، فما أداه أحدهما لم يرجع على صاحبه حتى يزيد على النصف فيرجع بالزيادة، فإن تكفلا عن رجل وكل واحد منهما كفيل عن الآخر، فما أداه أحدهما رجع بنصفه على الآخر، وإن ضمن عن رجل خراجه وقسمته ونوائبه جاز إن كانت النوائب بحق، ككري النهر، وأجرة الحارس، وتجهيز الجيش وفداء الأسارى، وإن لم تكن بحق كالجبايات، قالوا‏:‏ تصح في زماننا‏.‏

كتاب الحوالة

وهي جائزة بالديون دون الأعيان، وتصح برضا المحيل والمحتال والمحال عليه؛ وإذا تمت الحوالة برىء المحيل حتى لو مات لا يأخذ المحتال من تركته، لكن يأخذ كفيلًا من الورثة أو من الغرماء مخافة التوى، ولا يرجع عليه المحتال إلا أن يموت المحال عليه مفلسًا، أو يجحد ولا بينة عليه، فإن طالب المحتال عليه المحيل فقال‏:‏ إنما أحلت بدين لي عليك لم يقبل، وإن طالب المحيل المحتال بما أحاله به فقال‏:‏ إنما أحلتني بدين لي عليك لم يقبل‏.‏

كتاب الصلح

ويجوز مع الإقرار والسكوت والإنكار؛ فإن كان عن إقرار وهو بمال عن مال فهو كالبيع، وإن كان بمنافع عن مال فهو كالإجارة فإن استحق فيه بعض المصالح عنه رد حصته من العوض، وإن استحق الجميع رد الجميع، وإن استحق كل المصالح عليه رجع بكل المصالح عنه، وفي البعض بحصته‏.‏ والصلح عن سكوت أو إنكار معاوضة في حق المدعي، وفي حق المدعى عليه لافتداء اليمين، وإن استحق فيه المصالح عليه رجع إلى الدعوى في كله وفي البعض بقدره، وإن استحق المصالح عنه رد العوض، وإن استحق بعضه رد حصته ورجع بالخصومة فيه، وهلاك البدل كاستحقاقه في الفصلين، ويجوز الصلح عن مجهول، ولا يجوز إلا على معلوم، ويجوز عن جناية العمد والخطإ، ولا يجوز عن الحدود، ولو ادعى على امرأة نكاحًا فجحدت ثم صالحته على مال ليترك الدعوى جاز، ولو صالحها على مال لتقر له بالنكاح جاز، ولو ادعت المرأة النكاح فصالحها جاز، وإن ادعى على شخص أنه عبده فصالحه على مال جاز ولا ولاء عليه عبد بين رجلين أعتقه أحدهما وهو موسر فصالحه الآخر على أكثر من نصف قيمته لم يجز، ويجوز صلح الماعي المنكر على مال ليقر له بالعين؛ والفضولي إن صالح على مال وضمنه أو سلمه أو قال‏:‏ على ألفي هذه صح؛ وإن قال‏:‏ على ألف لفلان يتوقف على إجازة المصالح عنه؛ والصلح عما استحق بعقد المداينة أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي وليس معاوضة؛ فإن صالحه على ألف درهم بخمسمائة، أو عن ألف جياد بخمسمائة، زيوف، أو عن حالة بمثلها مؤجلةً جاز، ولو صالحه على دنانير موجلة لم يجز، ولو صالحه عن ألف سود بخمسمائة بيض لا يجوز، ولو قال له‏:‏ أد إلي غدًا خمسمائة على أنك برىء من خمسمائة، فلم يؤدها إليه فالألف بحالها‏.‏

ولو صالح أحد الشريكين عن نصيبه بثوب، فشريكه إن شاء أخذ منه نصف الثوب إلا أن يعطيه ربع الدين، وإن شاء اتبع المديون بنصفه، ولا يجوز صلح أحدهما في السلم على أخذ نصيبه من رأس المال‏.‏ وإن صالح الورثة بعضهم عن نصيبه بمال أعطوه، والتركة عروض جاز قليلًا أعطوه أو كثيرًا، وكذلك إن كانت أحد النقدين فأعطوه خلافه، وكذلك لو كانت نقدين فأعطوه منهما، ولو كانت نقدين وعروضًا فصالحوه على أحد النقدين فلا بد أن يكون أكثر من نصيبه من ذلك الجنس، ولو كان بدل الصلح عرضًا جاز مطلقًا، وإن كان في التركة ديون فأخرجوه منها على أن تكون لهم لا يجوز، وإن شرطوا براءة الغرماء جاز‏.‏

كتاب الشركة

الشركة نوعان‏:‏ شركة ملك، وشركة عقد‏.‏ فشركة الملك نوعان‏:‏ جبرية، واختيارية‏.‏ وشركة العقود نوعان‏:‏ شركة في المال، وشركة في الأعمال‏.‏ فالشركة في الأموال أنواع‏:‏ مفاوضة، وعنان، ووجوه، وشركة في العروض‏.‏ والشركة في الأعمال نوعان‏:‏ جائزة وهي شركة الصنائع، وفاسدة وهي الشركة في المباحات‏.‏ أما المفاوضة فهو أن يتساويا في التصرف والدين والمال الذي تصح فيه الشركة‏.‏

ولا تصح إلا بين الحرين البالغين العاقلين المسلمين أو الذميين، ولا تنعقد إلا بلفظ المفاوضة، أو تبيين جميع مقتضاها، ولا يشترط تسليم المال ولا خلطهما، وتنعقد على الوكالة والكفالة، فما يشتريه كل واحد منهما على الشركة إلا طعام أهله وإدامهم وكسوتهم وكسوته، وللبائع مطالبة أيهما شاء بالثمن، وإن تكفل بمال عن أجنبي لزم صاحبه، فإن ملك أحدهما ما تصح فيه الشركة صارت عنانا، وكذا في كل موضع فسدت فيه المفاوضة لفوات شرط لا يشترط في العنان، ولا تنعقد المفاوضة والعنان إلا بدراهم والدنانير وتبريهما إن جرى التعامل به وبالفلوس الرائجة، ولا تصح بالعروض إلا أن يبيع أحدهما نصف عروضه بنصف عروض الآخر إذا كانت قيمتاهما على السواء، ثم يعقدان الشركة وشركة العنان تصح مع التفاضل في المال، وتصح مع التفاضل في المال والتساوي في الربح إذا عملا أو شرطا زيادة الربح للعامل، وإذا تساويا في المال وشرطا التفاوت في الربح والوضيعة فالربح على ما شرط والوضيعة على قدر المالين، وتنعقد على الوكالة، ولا تنعقد على الكفالة ولا تصح فيما لا تصح الوكالة به كالاحتطاب والاحتشاش، وما جمعه كل واحد منهما فهو له، فإن أعانه الآخر فله أجر مثله، وإن هلك المالان أو أحدهما في شركة العنان قبل الشراء بطلت الشركة‏.‏ وإن اشترى أحدهما بماله ثم هلك مال الآخر فالمشترى بينهما على ما شرطا، ويرجع على صاحبه بحصته من الثمن، وإن هلك أحد المالين ثم اشترى أحدهما فالمشترى لصاحب المال خاصةً، ولا يجوز أن يشترطا لأحدهما دراهم مسماةً من الربح؛ ولشريك العنان والمفاوض أن يوكل ويبضع ويضارب ويودع ويستأجر على العمل، وهو أمين في المال‏.‏ وشركة الصنائع‏:‏ أن يشترك صانعان اتفقا في الصنعة أو اختلفا على أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما فيجوز، وما يتقبله أحدهما يلزمهما، فيطالب كل واحد منهما بالعمل ويطالب بالأجر‏.‏

وشركة الوجوه جائزة، وهي أن يشتركا على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا، وتنعقد على الوكالة؛ وإن شرطا على المشترى بينهما فالربح كذلك، ولا تجوز الزيادة فيه؛ وإن اشتركا ولأحدهما بغل وللآخر راوية يستسقي الماء لا يصح، والكسب للعامل، وعليه أجرة بغل الآخر أو راويته؛ والربح في الشركة الفاسدة على قدر المال ويبطل شرط الزيادة وإذا مات أحد الشريكين أن يؤدى زكاة مال الآخر إلا بإذنه، فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه فأديا معًا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه، وإن أديا متعاقبا ضمن الثاني للأول علم بأدائه أو لم يعلم‏.‏

كتاب المضاربة

المضارب شريك رب المال في الربح ورأس ماله الضرب في الأرض، فإذا سلم رأس المال إليه فهو أمانة، فإذا تصرف فيه فهو وكيل، فإذا ربح صار شريكًا، فإن شرط الربح للمضارب فهو قرض، وإن شرط لرب المال فهو بضاعة، وإذا فسدت المضاربة فهي إجارة فاسدة، وإذا خالف صار غاصبًا، ولا تصح إلا أن يكون الربح بينهما مشاعًا؛ فإن شرط لأحدهما دراهم مسماة فسدت، والربح لرب المال، وللمضارب أجر مثله، واشتراط الوضيعة على المضارب باطل، ولا بد أن يكون المال مسلمًا إلى المضارب، وللمضارب أن يبيع ويشتري بالنقد والنسيئة ويوكل ويسافر ويبضع، ولا يضارب إلا بإذن رب المال، أو بقوله‏:‏ اعمل برأيك، وليس له أن يتعدى البلد والسلعة والمعامل الذي عينه رب المال، وإن وقت لها وقتًا بطلت بمضيه؛ وليس له أن يزوج عبدًا ولا أمةً من مال المضاربة، ولا يشترى من يعتق على رب المال، فإن فعل ضمنه، ولا من يعتق عليه إن كان في المال ربح، فإن لم يكن في المال ربح فاشترى من يعتق عليه صح البيع، فإن ربح عتق نصيبه ويسعى العبد في قيمة نصيب رب المال؛ فلو دفع إليه المال مضاربةً وقال‏:‏ ما رزق الله بيننا نصفان وأذن له في الدفع مضاربةً، فدفع إلى آخر بالثلث فنصف الربح لرب المال بالشرط، والسدس للأول، والثلث للثاني، وإن دفع الأول إلى الثاني بالنصف فلا شيء له، وإن دفعه على أن للثاني الثلثين ضمن الأول للثاني قدر السدس من الربح؛ ولو قال‏:‏ ما رزقك الله فلي نصفه فما شرطه للثاني فهو له، والباقي بين رب المال والمضارب الأول نصفان؛ ولو قال‏:‏ على أن ما رزق الله بيننا نصفان فدفعه إلى آخر بالنصف فدفعه الثاني إلى ثالث بالثلث فالنصف لرب المال، وللثالث الثلث، وللثاني السدس ولا شيء للأول، وتبطل المضاربة‏:‏ بموت المضارب، وبموت رب المال، وبردة رب المال، ولحاقه مرتدًا؛ ولا تبطل بردة المضارب، ولا ينعزل بعزله ما لم يعلم؛ فلو باع واشترى بعد العزل قبل العلم نفذ، فإن علم بالعزل والمال من جنس رأس المال لم يجز له أن يتصرف فيه، وإن كان خلاف جنسه فله أن يبيعه حتى يصير من جنسه، وإذا افترقا وفي المال ديون وليس فيه ربح وكل رب المال على اقتضائها، وإن كان فيه ربح أجبر على اقتضائها، وما هلك من مال المضاربة فمن الربح، فإن زاد فمن رأس المال‏.‏

كتاب الوديعة

وهي أمانة إذا هلكت من غير تعد لم يضمن، وله أن يحفظها بنفسه، ومن في عياله وإن نهاه، وليس له أن يحفظها بغيرهم إلا أن يخاف الحريق فيسلمها إلى جاره، أو الغرف فيلقيها إلى سفينة أخرى، فإن خلطها بغيرها حتى لا تتميز ضمنها، وكذا إن أنفق بعضها ثم رد عوضه وخلطه بالباقي، وإن اختلط بغير صنعه فهو شريك، ولو تعدى فيها بالركوب أو اللبس أو الاستخدام أو أودعها ثم زال التعدى لم يضمن؛ ولو أودعها فهلكت عند الثاني فالضمان على الأول فإن طلبها صاحبها فجحدها ثم عاد اعترف ضمن؛ وللمودع أن يسافر بالوديعة، وإن كان لها حمل ومئونة ما لم ينهه إذا كان الطريق آمنًا، ولو أودعا عند رجل مكيلًا أو موزونًا ثم حضر أحدهما يطلب نصيبه لم يؤمر بالدفع إليه ما لم يحضر الآخر، فإن قال المودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان وكذبه المالك ضمن إلا أن يقيم البينة على ذلك أو ينكل المالك عن اليمين؛ ولو أودع عند رجلين شيئًا ممن يقسم اقتسماه وحفظ كل منهما نصفه، وإن كان لا يقسم حفظه أحدهما بأمر الآخر، ولو قال احفظها في هذا البيت فحفظها في بيت آخر في الدار لم يضمن، ولو خالفه في الدار ضمن، ولو رد الوديعة إلى دار مالكها ولم يسلمها إليه ضمن‏.‏

كتاب اللقيط

وهو حر ونفقته في بيت المال، وميراثه لبيت المال، وجنايته عليه، وديته له وولاؤه، والملتقط أولى به من غيره، وهو متبرع في الإنفاق عليه إلا أن يأذن له القاضي بشرط الرجوع؛ ومن ادعى أنه ابنه ثبت نسبه منه، وإن ادعاه اثنان معًا ثبت منهما إلا أن يذكر أحدهما علامةً في جسده‏.‏

والحر والمسلم أولى من العبد والذمي، وإن ادعاه عبد فهو ابنه وهو حر؛ وإن ادعاه ذمي فهو ابنه وهو مسلم، إلا أن يلتقطه من بيعة أو كنيسة أو قرية من قراهم فيكون ذميًا؛ ومن ادعى أنه عبده لم يقبل إلا ببينة؛ وإذا كان على اللقيط مال فهو مشدود له وينفق عليه منه بأمر القاضي، ويقبل له الهبة، ويسلمه في صناعة، ولا يزوجه، ولا يؤاجره‏.‏

كتاب اللقطة

وأخذها أفضل، وإن خاف ضياعها فواجب، وهي أمانة إذا أشهد أنه أخذها ليردها على صاحبها، فإن لم يشهد ضمنها ويعرفها مدةً يغلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها بعد ذلك‏.‏

فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها إن شاء، وإن شاء أمسكها، فإن جاء وأمضى الصدقة فله ثوابه، وإلا له أن يضمنه، أو يضمن المسكين، أو يأخذها إن كانت باقيةً، وأيهما ضمن لا يرجع على أحد، ولا يتصدق بها على غني، وينتفع بها إن كان فقيرًا، وإن كانت شيئًا لا يبقى عرفه إلى أن يخاف فساده، ويعرفها في مكان الالتقاط ومجامع الناس‏.‏ وإن كانت حقيرةً كالنوى وقشور الرمان ينتفع به من غير تعريف، وللمالك أخذه، والسنبل بعد الحصاد إذا جمعه فهو له خاصةً، ويجوز التقاط الإبل والبقر والغنم وسائر الحيوانات، وهو متبرع فيما أنفق عليها، فإن كان لها منفعة آجرها بإذن الحاكم وأنفق عليها، وإن لم يكن لها منفعة باعها إن كان أصلح، فإن جاء صاحبها فله حبسها حتى يعطيه النفقة، فإن امتنع بيعت في النفقة، فإن هلكت بعد الحبس سقطت النفقة وقبل الحبس لا؛ وليس في رد اللقطة والضالة والصبي الحر شيء واجب؛ ومن ادعى اللقطة يحتاج إلى البينة، فإن أعطى علامتها جاز له أن يدفعها إليه ولا يجبر، ولقطة الحل والحرم سواء‏.‏

كتاب الآبق

أخذه أفضل إذا قدر عليه، وكذلك الضال ويدفعهما إلى السلطان، ويحبس الآبق دون الضال، ومن رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا فله عليه أربعون درهمًا وبحسابه إن نقصت المدة، فإن كانت قيمته أقل من أربعين درهمًا فله قيمته إلا درهمًا، وأم الولد والمدبر كالقن والصبي كالبالغ، وينبغي أن يشهد أنه يأخذه ليرده، ولو أبق من يده لا يلزمه شيء، وإن كان رهنًا فالجعل على المرتهن، وإن كان جانيًا فعلى مولاه إن فداه، وعلى ولي الجناية إن أعطاه له؛ وحكمه في النفقة كاللقطة‏.‏

كتاب المفقود

وحكمه أنه حي في حق نفسه وميت في حق غيره، ويقيم القاضي من يحفظ ماله ويستوفي غلاته فيما لا وكيل له فيه، ويبيع من أمواله ما يخاف عليه الهلاك، وينفق من ماله على من تجب عليه نفقته حال حضوره بغير قضاء، فإن مضى له من العمر ما لا يعيش أقرانه حكم بموته‏.‏

كتاب الخنثى

إذا كان له آلة الرجل والمرأة، فإن بال من أحدهما اعتبر به، فإن بال من الذكر فهو غلام، وإن بال من الفرج فهو أنثى، وإن بال منهما اعتبر بأسبقهما، فإن بال منهما معًا فهو خنثى مشكل، ولا معتبر بالكثرة، فإذا بلغ فظهرت له أمارات الرجال فهو رجل، وإن ظهرت له أمارات النساء فهو امرأة، فإن لم تظهر الأمارتان أو تعارضتا فهو خنثى مشكل‏.‏

فإذا حكم بكونه خنثى مشكلًا يؤخذ فيه بالأحوط والأوثق من أمور الدين فيورث أخس السهمين ويقف بين صف الرجال والنساء في الصلاة، وإن صلى في صف النساء أعاد، ولو صلى في صف الرجال يعيد من على يمينه ويساره ومن خلفه بحذائه، ويصلى بقناع، ولا يلبس الحلي والحرير، ولا يخلو به غير محرم رجل ولا امرأة، ولا يسافر بغير محرم، وتبتاع له أمة تختنه، فإذا ختنته باعها، وإن لم يكن له مال فمن بيت المال، وإذا مات ولم يستبن حاله يمم، ثم يكفن ويدفن كالجارية‏.‏

كتاب الوقف

وهو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ولا يلزم إلا أن يحكم به حاكم، أو يقول‏:‏ إذا مت فقد وقفته، ولا يجوز وقف المشاع، وإن حكم به جاز، ولا يجوز حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدًا، ويجوز وقف العقار، ولا يجوز وقف المنقول، وعن محمد جواز ما جرى فيه التعامل كالفأس والقدوم والمنشار والقدور والجنازة والمصاحف والكتب، بخلاف ما لا تعامل فيه، والفتوى على قول محمد، ويجوز حبس الكراع والسلاح، ولا يجوز بيع الوقف ولا تمليكه، ويبدأ من ارتفاع الوقف بعمارته وإن لم يشرطها الواقف، فإن كان الوقف على غنى عمره من ماله، وإن كان على فقراء فلا تقدر عليهم، فإن أبى أو كان فقيرًا آجرها القاضي وعمرها بأجرتها ثم ردها إلى من له السكنى، وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرف في عمارته، فإن استغنى عنه حبس لوقت حاجته، وإن تعذر إعادة عينه بيع، ويصرف الثمن إلى عمارته، ولا يقسمه بين مستحقي الوقف؛ ويجوز أن يجعل الواقف غلة الوقف أو بعضها له والولاية إليه، فإن كان غير مأمون نزعه القاضي منه وولى غيره؛ ومن بنى مسجدًا لم يزل ملكه عنه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن بالصلاة فيه‏.‏

ومن بنى سقايةً للمسلمين أو خانًا لأبناء السبيل أو رباطًا أو حوضًا أو حفر بئرًا أو جعل أرضه مقبرةً أو طريقًا للناس لا يلزم ما لم يحكم به حاكم أو يعلقه بموته، والوقف في المرض وصية‏.‏

رباط استغنى عنه يصرف وقفه إلى أقرب رباط إليه، ولو ضاق المسجد وبجنبه طريق العامة يوسع منه المسجد، ولو ضاق الطريق وسع من المسجد‏.‏

كتاب الهبة

وتصح بالإيجاب والقبول والقبض، فإن قبضها في المجلس بغير إذنه جاز، وبعد الافتراق يفتقر إلى إذنه، وإن كانت في يده ملكها بمجرد الهبة، وهبة الأب لابنه الصغير تم بمجرد العقد، ويملك الصغير الهبة بقبض وليه وأمه وبقبضه بنفسه‏.‏ وتنعقد الهبة بقوله‏:‏ وهبت ونحلت وأعطيت وأطعمتك هذا الطعام وأعمرتك، وحملتك على هذه الدابة إذا نوى الهبة، وكسوتك هذا الثوب، وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة وفيما يقسم لا تجوز، فإن قسم وسلم جاز كسهم في دار، واللبن في الضرع، والصوف على الظهر، والتمر على النخل، والزرع في الأرض، ولو وهبه دقيقًا في حنطة، أو سمنًا في لبن، أو دهنًا في سمسم فاستخرجه وسلمه لا يجوز، ولو وهب اثنان من واحد جاز، وبالعكس لا يجوز ولو تصدق على فقيرين جاز، وعلى غنيين لا يجوز، ومن وهب جاريةً إلا حملها صحت الهبة وبطل الاستثناء‏.‏

فصل ‏[‏الرجوع في الهبة للأجنبي‏]‏

ويجوز الرجوع فيما يهبه للأجنبي ويكره، فإن عوضه أو زادت زيادة متصلة أو مات أحدهما أو خرجت عن ملك الموهوب له فلا رجوع، ولا رجوع فيما يهبه لذي رحم محرم منه أو زوجة أو زوج؛ ولو قال الموهوب له خذ هذا بدلًا عن هبتك أو عوضها أو مقابلها أو عوضه أجنبي متبرعًا فقبضه سقط الرجوع، ولو استحق نصف الهبة رجع وإن استحق جميع العوض رجع بالهبة؛ والهبة بشرط العوض يراعى فيها حكم الهبة قبل القبض والبيع بعده؛ ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما أو بحكم الحاكم، وإن هلكت في يده بعد الحكم لم يضمن‏.‏

فصل ‏[‏العمرى‏]‏

العمرى جائزة للمعمر حال حياته، ولو رثته بعد مماته، وهي أن يجعل داره له عمره، فإذا مات ترد عليه‏.‏ والرقبى باطلة، وهي أن تقول‏:‏ إن مت فهي لي، وإن مت فهي لك‏.‏

والصدقة كالهبة إلا أنه لا رجوع فيها؛ ومن نذر أن يتصدق بماله فهو على جنس مال الزكاة، وبملكه على الجميع، ويمسك ما ينفقه حتى يكتسب ثم يتصدق بمثل ما أمسك‏.‏

كتاب العارية

وهي هبة المنافع، ولا تكون إلا فيما ينتفع به مع بقاء عينه‏.‏

وهي أمانة، وتصح بقوله أعرتك وأطعمتك هذه الأرض، وأخدمتك هذا العبد، ومنحتك هذا الثوب، وحملتك على هذه الدابة إذا لم يرد بهما الهبة، ودارى لك سكنى أو سكنى عمرى؛ وللمستعير أن يعيرها إن لم يختلف باختلاف المستعملين، وليس له إجارتها؛ فإن آجرها فهلكت ضمن، وللمعير أن يضمن المستعير، ولا يرجع على المستأجر ويرجع على المستعير، فإن قيدها بوقت أو منفعة أو مكان ضمن بالمخالفة إلا إلى خير؛ وعند الإطلاق له أن ينتفع بها في جميع أنواع منفعتها ما شاء ما لم يطالبه بالرد، ولو أعار أرضه للبناء والغرس فله أن يرجع ويكلفه قلعهما، وإن وقت وأخذها قبل الوقت كره له ذلك، ويضمن للمستعير قيمته ويملكه، وللمستعير قلعه إلا أن يكون فيه ضرر كثير بالأرض، فإن قلعهما فلا ضمان، فإن أعارها للزراعة فليس له أخذها قبل حصده وإن لم يوقت‏.‏

وأجره رد العارية على المستعير والمستأجر على الآجر؛ وإذا رد الدابة إلى اصطبل مالكها برىء؛ وكذا رد الثوب إلى داره ومع من في عياله أو عبده أو أجيره الخاص برىء‏.‏

كتاب الغصب

وهو أخذ مال متقوم محترم مملوك للغير بطريق التعدى، ومن غصب شيئًا فعليه رده في مكان غصبه، فإن هلك وهو مثلي فعليه مثله، وإن لم يكن مثليًا فعليه قيمته يوم غصبه، وإن نقص ضمن النقصان، وإذا انقطع تجب قيمته يوم القضاء، وإن ادعى الهلاك حبسه الحاكم مدةً يعلم أنها لو كانت باقيةً أظهرها ثم يقضي عليه ببدلها، والقول في القيمة قول الغاصب مع يمينه، فإذا قضي عليه بالقيمة ملكه مستندًا إلى وقت الغصب، وتسلم له الأكساب ولا تسلم له الأولاد، فإذا ظهرت العين وقيمتها أكثر وقد ضمنها بنكوله أو بالبينة، أو بقول المالك سلمت للغاصب، وإن ضمنها بيمينه فالمالك إن شاء أمضى الضمان، وإن شاء أخذ العين ورد العوض، ويضمن ما نقص العقار بفعله ولا يضمنه لو هلك، فإن نقص بالزراعة يضمن النقصان، ويأخذ رأس ماله ويتصدق بالفضل، وكذا المودع والمستعير إذا تصرفا وربحا تصدقا بالفضل، وإذا تغير المغصوب بفعل الغاصب حتى زال اسمه وأكثر منافعه ملكه وضمنه، وذلك كذبح الشاة وطبخها أو شيها أو تقطيعها، وطحن الحنطة أو زرعها، وخبز الدقيق، وجعل الحديد سيفًا والصفر آنيةً، واللبناء على الساجة، واللبن حائطًا، وعصر الزيتون والعنب وغزل القطن ونسج الغزل، ولا ينتفع به حتى يؤدى بدله، ولو غصب تبرًا فضربه دراهم أو دنانير أو آنيةً لم يملكه، ومن خرق ثوب غيره فأبطل عامة منفعته ضمنه، ومن ذبح شاة غيره أو قطع يدها، فإن شاء المالك ضمنه نقصانها وأخذها، وإن شاء سلمها وضمنه قيمتها، وفي غير مأكول اللحم يضمن قيمتها بقطع الطرف، ومن بنى في أرض غيره أو غرس لزمه قلعهما وردها، ومن غصب ثوبًا فصبغه أحمر أو سويقا، فلته بسمن فالمالك إن شاء أخذهما ورد زيادة الصبغ والسويق، وإن شاء أخذ قيمة الثوب أبيض ومثل السويق وسلمهما‏.‏

فصل ‏[‏زوائد الغصب‏]‏

زوائد الغصب أمانة، متصلةً كانت أو منفصلةً، ويضمنها بالتعدى أو بالمنع بعد الطلب، وما نقصت الجارية بالولادة مضمون وتجبر بولدها وبالغرة؛ ومنافع الغصب غير مضمونة استوفاها أو عطلها، ومن استهلك حمر الذمي أو خنزيره فعليه قيمته، ولو كانا لمسلم فلا شيء عليه؛ ويجب في كسر المعازف قيمتها لغير اللهو‏.‏

كتاب إحياء الموات

الموات‏:‏ ما لا ينتفع به من الأراضي، وليس ملك مسلم ولا ذمي، وهو بعيد من العمران، إذا وقف إنسان بطرف العمران ونادى بأعلى صوته لا يسمع، من أحياه بإذن الإمام ملكه مسلمًا كان أو ذميًا، ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر، ومن حجر أرضًا ثلاث سنين فلم يزرعها دفعها الإمام إلى غيره‏.‏

ومن حفر بئرًا في موات فحريمها أربعون ذراعًا من كل جانب للناضح والعطن، فمن أراد أن يحفر في حريمها منع، وحريم العين من كل جانب خمسمائة ذراع، والقناة عند خروج الماء كالعين، ولا حريم للنهر الظاهر إذا كان في ملك الغير إلا ببينة، وكذا لو حفره في أرض موات لا حريم له، ولو غرس شجرةً في أرض موات فحريمها من كل جانب خمسة أذرع، وما عدل عنه الفرات ودجلة يجوز إحياؤه إن لم يحتمل عوده إليه، وإن احتمل عوده لا يجوز‏.‏

كتاب الشرب

وهو النصيب من الماء، وقسمة الماء بين الشركاء ويجوز دعوى الشرب بغير أرض، ويورث، ويوصى بمنفعته دون رقبته ولا يباع، ولا يوهب، ولا يتصدق به، ولا يصلح مهرًا، ولا بدلًا في الخلع، ولا بدلًا في الصلح عن دعوى المال ولا في القصاص‏.‏

والمياه أنواع‏:‏ ماء البحر، وهو عام لجميع الخلق الانتفاع به بالشفة وسقي الأراضي وشق الأنهار‏.‏ والأودية والأنهار العظام كجيحون وسيحون والنيل والفرات ودجلة، فالناس مشتركون فيه في الشفة وسقي الأراضي ونصب الأرحية‏.‏

وما يجري في نهر خاص لقرية فلغيرهم فيه شركة في الشفة؛ وما أحرز في حب ونحوه فليس لأحد أن يأخذ منه شيئًا بدون إذن صاحبه وله بيعه، ولو كانت البئر أو العين أو النهر في ملك رجل له منع من يريد الشفة من الدخول في ملكه إن كان يجد غيره بقربه في أرض مباحة، فإن لم يجد فإما أن يتركه يأخذ بنفسه أو يخرج الماء إليه، فإن منعه وهو يخاف العطش على نفسه أو مطيته قاتله بالسلاح، وفي المحرز بالإناء يقاتله بغير سلاح، والطعام حالة المخمصة كالماء المحرز بالإناء‏.‏

فصل ‏[‏كرى الأنهار‏]‏

كرى الأنهار العظام على بيت المال، وما هو مملوك للعامة فكريه على أهله، ومن أبى منهم يجبر، ومئونة الكرى إذا جاوز أرض رجل ترفع عنه، وليس على أهل الشفة شيء من الكرى‏.‏ نهر لرجل يجري في أرض غيره ليس لصاحب الأرض منعه‏.‏ نهر بين قوم اختصموا في الشرب فهو بينهم على قدر أراضيهم، وليس للأعلى أن يسكر حتى يستوفي إلا بتراضيهم، وليس لأحدهم أن يشق منه نهرًا، أو ينصب عليه رحىً أو يتخذ عليه جسرًا أو يوسع فمه، أو يسوق شربه إلى أرض ليس لها شرب إلا بتراضيهم، ولو كانت القسمة بالكوى فليس لأحدهم أن يقسم بالأيام، ولا مناصفةً، ولا يزيد كوةً، وإن كان لا يضر بالباقين‏.‏

كتاب المزارعة

وهي عقد على الزرع ببعض الخارج، وهي جائزة عند أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة هي فاسدة، والفتوى على قولهما، ولا بد فيها من التأقييت، ومن صلاحية الأرض للزراعة، ومن معرفة مقدار البذر، ومعرفة جنسه، ونصيب الآخر، والتخلية بين الأرض والعامل، وأن يكون الخارج مشتركًا بينهما حتى لو شرطا لأحدهما قفزانا معلومةً، أو ما على السواقي، أو أن يأخذ رب البذر بذره، أو الخراج فسدت، وإن شرط رفع العشر جاز، وإذا كانت الأرض والبذر لواحد، والعمل والبقر لآخر، أو كانت الأرض لواحد والباقي لآخر، أو كان العمل من واحد والباقي لآخر فهي صحيحة‏.‏ وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط، فإن لم يخرج شيء فلا شيء للعامل وما عدا هذه الوجوه فاسدة، وإذا فسدت فالخارج لصاحب البذر، وللآخر أجر عمله أو أجر أرضه لا يزاد على قدر المسمى، ولو شرطا التبن لرب البذر صح، وإن شرطاه للآخر لا يصح، وإن عقداها فامتنع صاحب البذر لم يجبر، وإن امتنع الآخر أجبر إلا أن يكون عذر تفسخ به الإجارة فتفسخ به المزارعة، وليس للعامل أن يطالبه بأجرة الكراب وحفر الأنهار، وأجرة الحصاد والرفاع والدياس والتذرية عليهما بالحصص، ولو شرطا ذلك على العامل لا يجوز؛ وعن أبي يوسف جوازه وعليه الفتوى؛ وإذا مات أحد المتعاقدين بطلت؛ وإذا انقضت المدة ولم يدرك الزرع فعلى المزارع أجرة نصيبه من الأرض حتى يستحصد، ونفقة الزرع عليهما حتى يستحصد‏.‏

كتاب المساقاة

وهي كالمزارعة في الخلاف والحكم وفي الشروط إلا المدة، وإن سميا مدةً لا تخرج الثمرة في مثلها فهي فاسدة، وإن دفع نخلا أو أصول رطبة ليقوم عليها وأطلق لا يجوز في الرطبة إلا بمدة معلومة، وتجوز المساقاة في الشجر والكرم والرطاب وأصول الباذنجان إذا كانت تزيد بالسقي والعمل وتبطل بالموت‏.‏

كتاب النكاح

النكاح حالة الاعتدال سنة مؤكدة مرغوبة، وحالة التوقان واجب، وحالة الخوف من الجور مكروه، وركنه الإيجاب والقبول‏.‏ وينعقد بلفظين ماضيين، أو بلفظين أحدهما ماض والآخر مستقبل، كقوله زوجني، فيقول زوجتك؛ وينعقد بلفظ النكاح والتزويج والهبة والصدقة والتمليك والبيع والشراء، ولا ينعقد نكاح المسلمين إلا بحضور رجلين أو رجل وامرأتين، ولا بد في الشهود من صفة الحرية والإسلام، ولا تشترط العدالة، وينعقد بشهادة العميان‏.‏ وإذا تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز، ولا يظهر عند جحوده‏.‏

ويحرم على الرجل نكاح أمه وجداته وبنته وبنات ولده وأخته وبنتها وبنت أخيه وعمته وخالته وأم امرأته وبنتها إن دخل بها وامرأة أبيه وأجداده وبنيه وبني أولاده والجمع بين الأختين نكاحًا ووطئًا بملك اليمين؛ ويحرم من الرضاع من ذكرنا من النسب‏.‏

ولو تزوج أختين في عقد واحد فسد نكاحهما، ولو تزوج أختين في عقدتين ولا يدري أيتهما أولى فرقة بينه وبينهما؛ وإذا طلق امرأته لا يجوز أن يتزوج أختها ولا رابعةً حتى تنقضي عدتها، ولا يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، ولا يجوز نكاح الأمة على الحرة ولا معها ولا في عدتها، ويجوز نكاح الحرة والأمة على الأمة ومعها وفي عدتها؛ ويجوز للحر أن يتزوج أربعًا من الإماء، ويجوز أن يتزوج أمةً مع القدرة على الحرة؛ ولا يجوز أن يتزوج زوجة الغير ولا معتدته، ولا يتزوج حاملًا من غيره إلا الزانية، فإن فعل لا يطؤها حتى تضع؛ ولا يجوز أن يتزوج أمته ولا المرأة عبدها؛ ولا يجوز نكاح المجوسيات والوثنيات ولا وطؤهن بملك يمين، ويجوز تزويج الكتابيات والصابئيات‏.‏

والزنا يوجب حرمة المصاهرة، وكذا المس بشهوة من الجانبين والنظر إلى الفرج من الجانبين أيضًا‏.‏

ومن جمع بين امرأتين إحداهما لا يحل له نكاحها صح نكاح الأخرى؛ ويجوز أن يتزوج المحرم حالة الإحرام؛ ونكاح المتعة والنكاح المؤقت باطل‏.‏

وعبارة النساء معتبرة في النكاح حتى لو زوجت الحرة العاقلة البالغة نفسها جاز؛ وكذلك لو زوجت غيرها بالولاية أو الوكالة، وكذا إذا وكلت غيرها في تزويجها، أو زوجها غيرها فأجازت‏.‏

ولا إجبار على البكر البالغة في النكاح‏.‏ والسنة للولي أن يستأمر البكر قبل النكاح ويذكر لها الزوج فيقول‏:‏ إن فلانًا يخطبك أو يذكرك، فإذا سكتت فقد رضيت، ولو ضحكت فهو إذن، ولو بكت إن كان بغير صوت فهو رضًا، ولو استأذنها غير الولي فلا بد من القول؛ وإذن الثيب بالقول، وينبغي أن يذكر لها الزوج بما تعرفه، فإن زالت بكارتها بوثبة أو جراحة أو تعنيس أو حيض فهي بكر، وكذلك إن زالت بزنا؛ ولو قال الزوج‏:‏ بلغك النكاح فسكت، فقالت‏:‏ بل ردت فالقول قولها ولا يمين عليها، ويجوز للولي إنكاح الصغير والصغيرة والمجنونة، ثم إن كان المزج أبًا أو جدًا فلا خيار لهما بعد البلوغ، وإن زوجهما غيرهما فلهما الخيار‏.‏ ولا خيار لأحد الزوجين في عيب إلا في الجب والعنة والخصاء، والولي العصبة على ترتيبهم في الإرث والحجب ثم مولى العتاقة‏.‏ وللأم وأقاربها التزويج، ثم مولى الموالاة، ثم القاضي؛ ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون ولا كافر على مسلمة، وابن المجنونة يقدم على أبيها، وإذا غاب الولي الأقرب غيبةً منقطعةً لا ينتظر الكفء الخاطب حضوره زوجها الأبعد، ولو زوجها وليان فالأول أولى، وإن كانا معًا بطلا؛ ويجوز للأب والجد أن يزوج ابنه بأكثر من مهر المثل وابنته بأقل، ومن غير كفء، ولا يجوز ذلك لغيرهما، والواحد يتولى طرفي العقد وليًا كان أو وكيلًا، أو وليًا ووكيلًا أو أصيلًا ووكيلًا، أو وليًا وأصيلًا‏.‏

وينعقد نكاح الفضولي موقوفًا كالبيع إذا كان من جانب واحد، أما من جانبين أو فضوليًا من جانب أصيلًا من جانب فلا‏.‏

والكفاءة تعتبر في النكاح في النسب وفي الدين والتقوى وفي الصنائع وفي الحرية وفي المال، ومن له أب في الإسلام أو الحرية لا يكافىء من له أبوان، والأبوان والأكثر سواء، وإذا تزوجت غير كفء فللولي أن يفرق بينهما، فإن قبض الولي المهر أو جهز به أو طالب بالنفقة فقد رضي، وإن سكت لا يكون رضىً، وإن رضي أحد الأولياء فليس لغيره ممن هو في درجته أو أسفل منه الاعتراض، وإن كان أقرب منه فله ذلك، وإن نقصت من مهر مثلها فللأولياء أن يفرقوا أو يتممه‏.‏

المهر أقله عشرة دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم ولا يجوز أن يكون إلا مالًا، فإن سمى أقل من عشرة فلها عشرة، ومن سمى مهرًا لزمه بالدخول والموت، وإن طلقها قبل الدخول لزمه نصفه، وإن لم يسم لها مهرًا أو شرط أن لا مهر لها فلها مهل المثل بالدخول والموت والمتعة والطلاق قبل الدخول، ولا تجب إلا لهذه، وتستحب لكل مطلقة سواها‏.‏ والمتعة درع وخمار وملحفة يعتبر ذلك بحاله، ولا تزاد على قدر نصف مهر المثل، وإن زادها في المهر لزمته الزيادة، وتسقط بالطلاق قبل الدخول، وإن حطت من مهرها صح الحط، والخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح كالدخول، وكذلك العنين والحصى والمجبوب‏.‏

والخلوة الصحيحة أن لا يكون ثم مانع من الوطء طبعًا وشرعًا، فالمرض المانع من الوطء من جهته أو جهتها مانع طبعًا، وكذلك الرتق والقرن والحيض والإحرام وصوم رمضان وصلاة الفرض وفي النكاح الفاسد لا يجب إلا مهر المثل، ولا يجب إلا بالدخول حقيقةً، ولا يتجاوز به المسمى، ويثبت فيه النسب‏.‏

وإن تزوجها على خمر أو خنزير، أو على هذا الدن من الخل فإذا هو خمر؛ أو على هذا العبد فإذا هو حر؛ أو على خدمته سنةً؛ أو تعليم القرآن جاز النكاح، ولها مهر المثل‏.‏

وإذا تزوج العبد بإذن مولاه على خدمته سنةً جاز ولها الخدمة، وإن تزوجها على ألف على أن لا يتزوج عليها، فإن وفى فلها المسمى، وإلا فمهر مثلها، وإن قال على ألف إن أقام بها، وألفين إن أخرجها، فإن أقام فلها الألف، وإن أخرجها فمهر مثلها، وإن تزوجها على هذا العبد أو هذا فلها أشبههما بمهر المثل، وإن كان مهر المثل بينهما فلها مهر المثل؛ وإن تزوجها على حيوان، فإن سمى نوعه كالفرس جاز، وإن لم يصفه ولها الوسط، فإن شاء أعطاها ذلك، وإن شاء قيمته؛ والثوب مثل الحيوان، إلا أنه ذكر وصفه لزمه تسليمه، وكذلك كل ما يثبت في الذمة‏.‏

ومهر مثلها يعتبر بنساء عشيرة أبيها، فإن لم يوجد منهم مثل حالها فمن الأجانب، ويعتبر بامرأة هي مثلها في السن والحسن والبكارة والبلد والعصر والمال، فإن لم يوجد ذلك كله فالذي يوجد منه؛ وللمرأة أن تمنع نفسها وأن يسافر بها حتى يعطيها مهرها، فإذا أوفاها مهرها نقلها إلى حيث شاء، وقيل لا يسافر بها وعليه الفتوى‏.‏

فصل ‏[‏نكاح العبد والأمة والمدبر وأم الولد‏]‏

ولا يجوز نكاح العبد والأمة والمدبر وأم الولد إلا بإذن المولى، ويملك إجبارهم على النكاح؛ وإذا تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر دين في رقبته يباع فيه والمدبر يسعى، وإذا أعتقت الأمة أو المكاتبة ولها زوج حر أو عبد فلها الخيار ومن زوج أمته فليس عليه أن يبوئها بيت الزوج لكنها تخدم المولى، ويقال له‏:‏ متى ظفرت بها وطئتها؛ وإن تزوج عبد بغير إذن مولاه فقال له المولى طلقها فليس بإجازة، ولو قال طلقها تطليقةً رجعيةً فهو إجازة؛ والإذن في العزل لمولى الأمة؛ وإذا تزوج عبد أو أمة بغير إذن المولى ثم أعتقا نفذ النكاح ولا خيار للأمة‏.‏

فصل ‏[‏زواج ذمي ذمية بدون مهر‏]‏

تزوج ذمي ذميةً على أن لا مهر لها أو على ميتة، وذلك عندهم جائز جاز ولا مهر لها، وإن تزوجها بغير شهود أو في عدة كافر آخر جاز إن دانوه، ولو أسلما أقرا عليه، ولو تزوجها على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما فلها ذلك إن كانا عينين، وإلا فقيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير، وإذا أسلم المجوسي فرق بينه وبين من تزوج من محارمه؛ ولا يجوز نكاح المرتد والمرتدة، والولد يتبع خير الأبوين دينًا، والكتابي خير من المجوسي؛ وإذا أسلمت امرأة الكافر عرض عليه الإسلام، فإن أسلم فهي امرأته، وإلا فرق بينهما، وتكون الفرقة طلاقًا؛ وإن أسلم زوج المجوسية فإن أسلمت وإلا فرق بينهما بغير طلاق؛ وإن كان الإسلام في دار الحرب تتوقف البينونة في المسئلتين على ثلاث حيض قبل إسلام آخر، وإذا خرج أحد الزوجين إلينا مسلمًا وقعت البينونة بينهما، وكذا إن سبي أحدهما، ولو سبيا معًا لم تقع؛ وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرةً لا عدة عليها؛ وإذا ارتد أحد الزوجين وقعت الفرقة بغير طلاق؛ ثم إن كان المرتد الزوجة بعد الدخول فلها المهر وقبله لا شيء لها ولا نفقة، وإن كان الزوج فالكل بعده والنصف قبله؛ وإن ارتدا معًا ثم أسلما معًا فهما على نكاحهما‏.‏ وإذا كان بأحد الزوجين عيب فلا خيار للآخر إلا في الجب والعنة والخصى‏.‏

فصل ‏[‏العدل في البيتوتة‏]‏

وعلى الرجل أن يعدل بين نسائه في البيتوتة، والبكر والثيب والجديدة والعتيقة والمسلمة والكتابية سواء، وللحرة ضعف الأمة؛ ومن وهبت نصيبها لصاحبها جاز ولها الرجوع في ذلك، ويسافر بمن شاء، والقرعة أولى‏.‏

كتاب الرضاع

وحكم الرضاع يثبت بقليله وكثيره إذا وجد في مدته وهي ثلاثون شهرًا؛ ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا أخت ابنه وأم أخته؛ وإذا أرضعت المرأة صبيةً حرمت على زوجها وآبائه وأبنائه، وإذا رضع صبيان من ثدي امرأة فهما أخوان، وإن اجتمعا على لبن شاة فلا رضاع بينهما؛ وإذا اختلط اللبن بخلاف جنسه كالماء والدهن والنبيذ والدواء ولبن البهائم فالحكم للغالب، وكذلك إن اختلط بجنسه بأن اختلط لبن امرأتين، وإن اختلط بالطعام فلا حكم له، وإن غلب، وتتعلق الحرمة بلبن المرأة بعد موتها، وكذلك تتعلق بلبن البكر، ولا تتعلق بلبن الرجل ولا بالاحتقان‏.‏ وتتعلق بالاستعاط والإيجار، وإذا أرضعت امرأته الكبيرة امرأته الصغيرة حرمتا على الزوج، ولا مهر للكبيرة إن كان قبل الدخول، وللصغيرة نصف المهر، ويرجع به على الكبيرة إن كانت تعمدت الفساد، والقول قولها في التعمد مع يمينها‏.‏

كتاب الطلاق

وهو على ثلاثة أوجه‏:‏ أحسن، وحسن، وبدعي‏.‏ فأحسنه أن يطلقها واحدة في طهر لا جماع فيه، ويتركها حتى تنقضي عدتها‏.‏

وحسنه‏:‏ أن يطلقها ثلاثًا في ثلاثة أطهار ولا جماع فيها والشهر للآيسة والصغيرة والحامل كالحيضة، ويجوز طلاقهن عقب الجماع‏.‏ والبدعة أن يطلقها ثلاثًا أو ثنتين بكلمة واحدة أو في طهر لا رجعة فيه، أو يطلقها وهي حائض فيقع ويكون عاصيًا، وطلاق غير المدخول بها حالة الحيض ليس ببدعي، وإذا طلق امرأته حالة الحيض فعليه أن يراجعها، فإذا طهرت فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها، وإذا قال لامرأته المدخول بها‏:‏ أنت طالق ثلاثًا للسنة وقع عند كل طهر تطليقة، وإن نوى وقوعهن الساعة وقعن؛ وطلاق الحرة ثلاث، والأمة ثنتان، ولا اعتبار بالرجل في عدد الطلاق؛ ويقع طلاق كل زوج عاقل بالغ مستيقظ‏.‏ وطلاق المكره وقع؛ وطلاق السكران واقع؛ ويقع طلاق الأخرس بالإشارة، وكذلك اللاعب بالطلاق والهازل به؛ ومن ملك امرأته أو شقصًا منها أو ملكته أو شقصًا منه وقعت الفرقة بينهما‏.‏

وصريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، وهو نوعان‏:‏ أحدهما أنت طالق ومطلقة وطلقتك‏.‏ والثاني أنت الطلاق، وأنت طالق الطلاق، وأنت طالق طلاقًا؛ فالأول تقع به طلقة واحدة رجعية، ولا تصح فيه نية الثنتين والثلاث‏.‏ والثاني تقع به واحدة رجعية، وتصح فيه نية الثلاث دون الثنتين، ولو نوى بقوله أنت طالق واحدةً، وبقوله طلاقًا أخرى وقعتا، وإذا أضاف الطلاق إلى جملتها أو ما يعبر به عن الجملة كالرقبة والوجه والروح والجسد، أو إلى جزء شائع منها وقع، ونصف الطلقة تطليقة، وكذلك الثلث، وثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاث، وثلاثة أنصاف تطليقة ثنتان، ولو قال‏:‏ أنت طالق من واحدة إلى ثلاث يقع ثنتان وإلى ثنتين تقع واحدة، ولو قال‏:‏ واحدة في ثنتين وقعت واحدة، وثنتين في ثنتين اثنتان وإن نوى الحساب؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق من هنا إلى الشام فهي واحدة رجعية؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق بمكة أو في مكة طلقت في الحال في جميع البلاد؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق غدًا تقع بطلوع الفجر، ولو نوى آخر النهار صدق ديانةً؛ ولو قال‏:‏ في غد صحت قضاء أيضًا؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق اليوم غدًا، أو غدًا اليوم يؤخذ بأولهما ذكرًا؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق قبل أن أتزوجك فليس بشيء؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق ما لم أطلقك، أو متى ما لم أطلقك، أو متى لم أطلقك وسكت طلقت، وإن قال‏:‏ إن لم أطلقك، أو إذا لم أطلقك، أو إذا ما لم أطلقك لم تطلق حتى تموت؛ ولو قال أنت طالق ثلاثًا ما لم أطلقك أنت طالق فهي طالق هذه الواحدة؛ ولو قال‏:‏ أنا منك طالق لم يقع شيء وإن نوى؛ ولو قال‏:‏ أنا منك بائن أو عليك حرام ونوى الطلاق فواحدة بائنة؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث فثلاث، وبالواحدة واحدة، وبالثنتين ثنتان، والمعتبر المنشورة، وإن أشار بظهورها فالمعتبر المضمومة‏.‏

ولو قال‏:‏ أنت طالق بائن أو أفحش الطلاق أو أخبثه أو أشده أو أعظمه أو أكبره أو أشره أو أسوأه أو طلاق الشيطان أو البدعة أو كالجبل أو ملء البيت، أو تطليقةً شديدةً أو طويلةً أو عريضةً فهي واحدة بائنة، وإن نوى الثلاث فثلاث‏.‏

ومن طلق امرأته قبل الدخول ثلاثًا وقعن؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق وطالق، أو طالق طالق، أو واحدةً وواحدةً، أو واحدةً قبل واحدة، أو بعدها واحدة وقعت واحدة؛ ولو قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة، أو بعد واحدة فثنتان، ولو قال‏:‏ مع واحدة أو معها واحدة فثنتان أيضًا؛ ولو قال لها‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق واحدةً وواحدةً فدخلت وقعت واحدة؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق واحدةً وواحدةً إن دخلت الدار فدخلت وقعت ثنتان‏.‏

وكنايات الطلاق لا يقع بها إلا بنية أو بدلالة الحال، ويقع بائنًا إلا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة فيقع بها واحدة رجعية‏.‏

وألفاظ البائن قوله‏:‏ أنت بائن، بتة، بتلة، حرام، حبلك على غاربك، خلية، برية، الحقي بأهلك، وهبتك لأهلك، سرحتك، فارقتك، أمرك بيدك، تقنعي، استتري، أنت حرة، اغربي، اخرجي، ابتغي الأزواج؛ ويصح فيها نية الواحدة والثلاث، ولو نوى الثنتين فواحدة، ولو قال لها‏:‏ اختاري ينوي الطلاق فلها أن تطلق نفسها في مجلس علمها، ويبطل خيارها بالقيام، وبتبدل المجلس، فإذا اختارت نفسها فهي واحدة بائنة، ولا يكون ثلاثًا وإن نواها، ولا بد من ذكر النفس أو ما يدل عليه في كلامه أو كلامها، ولو قال لها‏:‏ اختاري اختاري، فقالت‏:‏ اخترت اختيارةً، أو قالت اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فهي ثلاث، ولو قالت‏:‏ طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي رجعية؛ ولو قال اختاري نفسك أو أمرك بيدك بتطليقة، فاختارت نفسها فهي واحدة رجعية؛ ولو خيرها فقالت‏:‏ اخترت نفسي لا بل زوجي لا يقع، ولو قالت‏:‏ نفسي أو زوجي لا يقع، ولو قالت‏:‏ نفسي وزوجي طلقت، والأمر باليد كالتخيير يتوقف على المجلس، إلا أنه إذا قال‏:‏ أمرك بيدك ونوى الثلاث صح؛ ولو قالت في جواب الأمر باليد‏:‏ اخترت نفسي بواحدة فهي ثلاث؛ ولو قال لها‏:‏ أمرك بيدك فاختارت نفسها يقع؛ ولو قال لها‏:‏ طلقي نفسك فلها أن تطلق في المجلس وتقع واحدة رجعية، وليس له أن يرجع عنه، وإن طلقت نفسها ثلاثًا وقد أرادها الزوج وقعن، ولا تصح نية الثنتين إلا أن تكون أمةً فيصح، ولو كانت حرةً وقد طلقها واحدةً لا يصح نية الثنتين‏.‏ ولو قالت‏:‏ أبنت نفسي طلقت واحدةً رجعيةً؛ ولو قال لها‏:‏ أمرك بيدك، فقالت‏:‏ أنت علي حرام، أو أنت مني بائن، أو أنا عليك حرام، أو أنا منك بائن، فهو جواب وطلقت، ولو قالت‏:‏ أنا منك طالق، أو أنا طالق وقع؛ ولو قال لها‏:‏ طلقي نفسك متى شئت، أو متى ما شئت، أو إذا شئت، أو إذا ما شئت لا يتقيد بالمجلس، ولو ردته لا يرتد، وكذا لو قال لغيره‏:‏ طلق امرأتي، ولو قال له‏:‏ إن شئت اقتصر على المجلس؛ ولو قال لها‏:‏ طلقي نفسك كلما شئت فلها أن تفرق الثلاث وليس لها أن تجمعها؛ ولو قال طلقي نفسك ثلاثًا فطلقت واحدةً فهي واحدة؛ ولو قال‏:‏ واحدة فطلقت ثلاثًا لم يقع شيء؛ ولو قال لها‏:‏ طلقي نفسك واحدةً أملك الرجعة، فقالت‏:‏ طلقت نفسي واحدةً بائنةً فهي رجعية؛ ولو قال‏:‏ واحدةً بائنةً، فقالت‏:‏ طلقت رجعيةً فهي بائنة؛ ولو قال لها‏:‏ أنت طالق كيف شئت وقعت واحدة رجعية، وإن لم تشأ فإن شاءت بائنةً أو ثلاثًا وقد أراد الزوج ذلك وقع، وإن اختلفت مشيئتها وإرادته فواحدة رجعية؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق ما شئت أو كم شئت فلها أن تطلق نفسها ما شاءت؛ ولو قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فليس لها أن تطلق ثلاثًا وتطلق ما دونها‏.‏

وألفاظ الشرط‏:‏ إن وإذا وإذاما ومتى ومتى ما وكل وكلما، فإذا علق الطلاق بشرط وقع عقيبه وانحلت اليمين وانتهت إلا في كلما؛ ولا يصح التعليق إلا أن يكون الحالف مالكًا كقوله لامرأته‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق؛ أو يقول لعبده‏:‏ إن كلمت زيدًا فأنت حر؛ أو يضيفه إلى ملك كقوله لأجنبية‏:‏ إن تزوجتك فأنت طالق، أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق أو كل عبد أشتريه فهو حر‏.‏ وزوال الملك لا يبطل اليمين، فإن وجد الشرط في ملك انحلت ووقع الطلاق، وإن وجد في غير ملك انحلت ولم يقع شيء؛ وإذا اختلفا في وجود الشرط فالقول للزوج والبينة للمرأة، وما لا يعلم إلا من جهتها فالقول قولها في حق نفسها، كقوله‏:‏ إن حضت فأنت طالق وفلانة، فقالت حضت طلقت هي خاصةً، وكذا التعليق بمحبتها؛ ولو قال‏:‏ إن كنت تحبين أن يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق وعبدي حر، فقالت أحب طلقت ولم يعتق العبد؛ ولو قال‏:‏ إن ولدت غلامًا فأنت طالق واحدةً، وإن ولدت جارية فثنتين فولدتهما ولا يدري أيهما أولًا طلقت واحدةً، وفي التنزه ثنتين؛ ولو قال لها‏:‏ إن جامعتك فأنت طالق ثلاثًا فأولجه ولبث ساعةً فلا شيء عليه، وإن نزعه ثم أولجه فعليه مهر، ولو كان الطلاق رجعيًا تحصل المراجعة بالإيلاج الثاني‏.‏

ولو قال لها‏:‏ أنت طالق إن شاء الله، أو ما شاء الله، أو ما لم يشإ الله، أو إلا أن يشاء الله لا يقع شيء إن وصل؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق ثلاثًا إلا واحدة طلقت ثنتين، ولو قال‏:‏ إلا ثنتين طلقت واحدةً؛ ولا يصح استثناء الكل من الكل، فلو قال‏:‏ أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا وقع الثلاث ولو قال‏:‏ أنت طالق ثلاثًا إلا واحدةً وواحدةً وواحدةً بطل الاستثناء؛ ولو قال‏:‏ أنت طالق عشرةً إلا تسعةً وقعت واحدة، ولو قال إلا ثمانية فثنتان‏.‏

ومن أبان امرأته في مرضه ثم مات ورثته إن كانت في العدة، وإن انقضت عدتها لم ترث‏.‏

وإن أبانها بأمرها، أو جاءت الفرقة من جهتها في مرضه لم ترث كالمخيرة والمخيرة بسبب الجب والعنة والبلوغ والعتق، ولو فعلت ما ذكرنا من الخيارات وهي مريضة ورثها إذا ماتت وهي في العدة، ومرض الموت هو المرض الذي أضناه وأعجزه عن القيام بحوائجه، فأما من يجىء ويذهب بحوائجه ويحم فلا؛ ولو علق طلاق امرأته بفعله وفعله في المرض ورثت، وإن علقه بفعل أجنبي أو بمجىء الوقت في المرض مثل قوله‏:‏ إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو إن دخل فلان الدار أو صلى الظهر فأنت طالق، فإن كان التعليق والشرط في المرض ورثت، وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث، وإن علقه بفعلها ولها منه بد لم ترث على كل حال، وإن لم يكن لها منه بد كالصلاة وكلام الأقارب وأكل الطعام واستيفاء الدين ورثت‏.‏